عبدالله محمد الفلالي
لاشك أن استعباد الإنسان لأخيه الإنسان من أعظم الخطايا في تاريخ البشرية، فقد أدى لثورات وحروب سفكت فيها دماء كثيرة، وانهارت بسببها ممالك ودول، إلا أن تشعب هذه الظاهرة ورسوخها في الأزمنة القديمة، حال عن القضاء الكلي عليها، فكافح الحكماء للحد منها، وإيجاد صيغة تخفف من وطأتها، فأقرت حقوق الرقيق والتي بلغت أوجها مع بعثة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: (إخوانُكُم جعلَهُمُ اللَّهُ تحتَ أيديكُم ، فأطعِموهم مِمَّا تأكُلونَ ، وألبِسوهم مِمَّا تلبَسونَ ، ولا تُكَلِّفوهم ما يغلبُهُم ، فإن كلَّفتُموهُم فأَعينوهُم) [صحيح مسلم: كتاب الأيمان رقم الحديث1661] ونهى عن استخدامهم في الأعمال غير الشريفة، قال تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور: 33]. ثم جعل تحرير الرقيق من أعظم القربات: {فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ (11) وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوۡ إِطۡعَٰمٞ فِي يَوۡمٖ ذِي مَسۡغَبَةٖ (14)} [البلد] كما جعل كفارة الظهار والقتل الخطإ تحرير رقبة، قال تعالى: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92]أي يتصدقوا بدية القتيل على ذوي القاتل، وكانت آخر وصاياه صلى الله عليه وسلم: «كانَ آخرُ كلامِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: الصلاةَ الصلاةَ، اتقوا اللهَ فيما ملكتْ أيمانُكُم». [ابو داود رقم 5156]، إلا أن هذه الأحكام والوصايا لم يعمل بها إلا فترات قليلة، ما أدى لحدوث حروب وثورات كبيرة في التاربخ الإسلامي؛ كثورة الزنج، أو استيلاء الأرقاء على الحكم إذا استخدموا في الجيش، كما حدث فى العصر العباسي الثاني؛ حيث صار قادة الجيش الترك يعينون الخلفاء، ونهاية الدولة الأيوبية، حيث استولى المماليك على الحكم، وأقاموا دولة عمرت زهاء ثلاثة قرون.
ولم تخل المناطق التي استعمرها الغربيون وجلبوا لها العبيد من حدوث ثورات، فدولة هاييتي أقامها أرقاء سابقون، كما أقام دولة ليبيريا في غرب إفريقيا أرقاء قدموا من أمريكا بمساعدة الجمعية الاستعمارية الأمريكية، وأحدثوا عدة ثورات في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى قرر رئيسها: أبراهام لينكولن إلغاء الرق، فثار لذلك ملاك العبيد في الجنوب الأمريكي، وانتهت الحرب بهزيمتهم وتحرير العبيد، ثم أقيمت المواثيق والقوانين الدولية على إلغاء الرق وتجريم فاعله.
فالتقطت حكومة بلادنا الفرصة، ووقعت على المواثيق الدولية، فكان القضاء على الرق بمبادرة من الحكومات المتعاقبة، ولم تكن المنظمات الحقوقية إلا مساعدا لها، في كشف الحالات الفردية، والتحقق من تطبيق القوانين المتعلقة بإلغاء الرق، فحفظت بذلك أمن المواطن، وجنبت البلاد ويلات وحروب أهلية، شهدتها مناطق أخرى من قارتنا الإفريقية؛ كزنجبار والسودان.
منذ وصول الرئيس: محمد ولد الشيخ الغزواني للسلطة اختفت الظاهرة كليا، فلم نعد نسمع عن أي حالة استعباد فردي، ما يؤكد عزم الدولة وإصرارها على غلق هذا الملف الشائك.
عمد الرؤساء المتعاقبون إلى إشراك الأرقاء السابقين في الحكومة، بما يضمن إرساء العدالة والمساواة القانونية بين المواطنين، فعين عدة وزراء منهم في الحكومة، وانتخب منهم عدة نواب عن لوائح مختلفة، كما حل الزعيم: بيرام الداه اعبيدي ثانيا في الانتخابات الرئاسية الماضية، بحصوله على نسبة 22% من الأصوات المعبر عنها.
الأرقاء السابقون أو "الحراطين" جزء من النسيج المجتمعي الموريتاني، يصنفون حسب لهجاتهم، وليست لهم هوية مستقلة، ولا قيمة للإحصاءات التقديرية التي يتبناها البعض ولم تصدر من جهة رسمية، فالحكومة لا تميز بين مواطنيها، وواجبنا جميعا نبذ خطاب العنف والكراهية والتوجه للإصلاح والبناء، فكلنا من آدم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} [الحجرات].
عبدالله محمد الفلالي