شهادات مروّعة من الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع.. الجثث في الشوارع

تنتشر الجثث في شوارع مدينة الفاشر، حيث قُتل العديد من الأطفال أمام ذويهم، بحسب ما روى فارّون من المدينة الواقعة في غرب السودان لوكالة «فرانس برس»، بعدما سيطرت عليها قوات الدعم السريع، الأحد، بعد حصارها لأكثر من عام.

وفرّ أكثر من 36 ألف مدني من المدينة، الأحد، عندما سيطرت قوات الدعم السريع على آخر معاقل الجيش في منطقة دارفور، ما استدعى تحذيرات من الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية من احتمال وقوع عمليات قتل جماعي وتطهير عرقي.

ولجأ بعضهم إلى مدينة طويلة، الواقعة على بُعد نحو 70 كيلومترًا من الفاشر، والتي تؤوي أصلًا نحو 650 ألف نازح.

ووصف ثلاثة ناجين لوكالة «فرانس برس» وصلوا إلى طويلة، مشاهد الرعب أثناء فرارهم من المدينة التي تحاصرها قوات الدعم السريع منذ 18 شهرًا، وقطعت عنها الإمدادات الأساسية من غذاء ودواء وغيرها.

وتذكّر شهاداتهم بالماضي المظلم لدارفور مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما قامت ميليشيات «الجنجويد» — القوات المتهمة بارتكاب الإبادة الجماعية في الإقليم والتي شكّلت لاحقًا نواة قوات الدعم السريع — بإحراق قرى وقتل نحو 300 ألف شخص، ونزوح 2.7 مليون آخرين.

وروت امتثال محمود، إحدى الناجيات من عمليات القتل السابقة في دارفور والمقيمة الآن في الولايات المتحدة، لوكالة «فرانس برس» لحظة مروّعة عندما تعرفت على جثة قريبتها في مقطع فيديو نُشر على حسابات مرتبطة بقوات الدعم السريع.

وحُجبت الأسماء الكاملة للناجين الآخرين الذين تحدثوا إلى «فرانس برس» حفاظًا على سلامتهم.

حياة، أم لخمسة: «قتلوا ولدي البالغ 16 عامًا»

قالت حياة: «يوم السبت الساعة السادسة صباحًا، كان القصف شديدًا. دخلت مع أبنائي الخندق. ومنذ ستة أشهر لا نعرف شيئًا عن زوجي».

وأضافت: «بعد ساعة، دخل سبعة مقاتلين من قوات الدعم السريع علينا في البيت. أخذوا هاتفي وفتشوا حتى ملابسي الداخلية، وقتلوا ولدي وعمره 16 سنة».

وتابعت: «هربنا مع كثير من الناس، وفي الطريق بين الفاشر وقرني (وهي قرية تقع شمال غرب المدينة)، رأينا أشخاصًا ميتين على الأرض ومصابين متروكين، إذ لم يتمكن أهلهم من حملهم. وفي الطريق، نهبونا مرة ثانية، وتم توقيف الشباب الذين كانوا معنا. لا نعرف ما حصل لهم».

حسين: «ناس ميتون في الشوارع»

روى حسين، وهو من سكان الفاشر ومصاب بكسر في رجله نتيجة سقوط قذيفة في منزله: «غادرنا الفاشر صباح السبت. تعبنا كثيرًا في الطريق بسبب الجوع والعطش والتوقيف المتكرر عند نقاط التفتيش. قبل قرني أوقفوني ثلاث ساعات، وقالوا إنني مصاب لأنني كنت أقاتل في الفاشر. لولا أسرة عندها كارو (عربة خشب يجرها حمار) لما وصلت إلى قرني».

وأضاف: «الوضع في الفاشر صعب جدًا. ناس ميتون في الشوارع، ليس هناك أحد ليدفنهم. نحن، الحمد لله، وصلنا إلى هنا ولو بالملابس التي كنا ننام فيها. هنا نشعر بالأمان».

محمد، أب لأربع بنات: «الجثث تحولت إلى عظم»

قال محمد، الذي غادر الفاشر الأحد ووصل إلى طويلة الثلاثاء: «كنت أسكن في مخيم زمزم. عندما دخلت قوات الدعم السريع المعسكر، نزحت إلى الفاشر وبقيت في حي أبو شوك. كان الضرب السبت شديدًا للغاية. أمضينا اليوم أنا وبناتي الأربع ووالدتهن في خندق حتى فجر الأحد».

وأضاف: «غادرنا قبل طلوع الضوء واتجهنا نحو قرني. في الطريق، نهبوا أموالي وأوقفوا الشباب وأخذوهم. رأيت ناسًا ميتين، بعضهم أصبحوا عظامًا».

وتابع: «لقد ضربوني بالعصا على ظهري، وكان أصلًا هناك شظايا في رجلي نتيجة قذيفة سقطت قرب بيتي في زمزم».

وقال: «وصلنا إلى طويلة عند المغرب يوم الثلاثاء. الآن ليس لدينا مكان نبقى فيه. أنا وبناتي ووالدتهم ننام في العراء من دون أغطية»، مشيرًا إلى أن عاملين في منظمات إنسانية قدموا لهم الطعام، لكن «ليس هناك خيم ولا أغطية».

وختم: «نريد فقط أن تنتهي الحرب ونعود إلى بيوتنا».

امتثال محمود (المقيمة في الولايات المتحدة): «تعرفت على قريبتي من مقطع فيديو»

قالت امتثال: «من شبه المستحيل وصف الشعور الذي يخالجنا الآن، نحن أبناء دارفور. ما زال كثير من أفراد عائلتنا عالقين في المدينة. لا نعرف من مات منهم ومن بقي على قيد الحياة».

وأضافت: «هناك مقاطع فيديو وتقارير عن قتل أشخاص. إنه أمر مروّع، إذ نتعرف في مقاطع الفيديو التي تنشرها قوات الدعم السريع — التي تتباهى بارتكابها إبادة جماعية منذ مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين — على أقارب وأصدقاء. لقد علمنا أخيرًا بمقتل قريبتنا من خلال مقطع فيديو كان يتم تداوله».

وروت: «في الفيديو الذي نشره قاتلوها، أفراد من قوات الدعم السريع، يمكن رؤية جثتها ملقاة على الأرض، ويمكن سماع عنصر من القوات يقول: قومي إذا كان يمكنك ذلك. كانوا يسخرون من جثتها، وهذا شكل آخر من أشكال التعذيب».

وتابعت: «كانت تعمل كمتطوعة لفترة طويلة، وعندما وقع الحصار انضمت إلى المقاومة. كانت مقاتلة».