تحقيق أوروبي: إسرائيل تدير «حربًا» للتأثير على المحاكم الدولية

كشف تحقيق استقصائي أوروبي، نشره موقع «ميديابارت» الفرنسي بالتعاون مع شبكة التحقيقات الاستقصائية الأوروبية (EIC)، عن قيام الحكومة الإسرائيلية بإنشاء قسم خاص داخل وزارة العدل لإدارة ما وصفته بـ«الحرب القانونية»، بهدف مواجهة الدعاوى القضائية المرفوعة ضدها أمام المحاكم الأوروبية والدولية.

وأوضح التحقيق، الذي استند إلى وثائق ورسائل إلكترونية داخلية مسرّبة تعود إلى الفترة ما بين عامي 2009 و2023، أن هذا القسم يعمل على تنسيق الجهود القانونية خارج إسرائيل، والتعاون مع محامين ومكاتب قانونية في عدة دول أوروبية، في مسعى لعرقلة أو احتواء القضايا المتعلقة باتهامات بانتهاك حقوق الإنسان.

ويضم التسريب الضخم أكثر من مليوني وثيقة رسمية.

وبيّن التحقيق أن الحكومة الإسرائيلية خصصت ميزانيات كبيرة لهذا النشاط، شملت تمويل أتعاب محامين ومستشارين قانونيين، لا سيما في فرنسا، التي شكّلت إحدى الساحات الرئيسية لملاحقة مسؤولين إسرائيليين قضائيًا.

كما كشف التحقيق عن جهود ممنهجة لمواجهة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات في أوروبا، عبر السعي إلى تجريم أنشطتها وملاحقة ناشطيها قانونيًا، من خلال ربط انتقاد سياسات إسرائيل باتهامات «معاداة السامية».

وخلص التحقيق إلى أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى تحصين إسرائيل من المساءلة القانونية الدولية، وتحويل القضاء الأوروبي إلى جزء من ساحة صراع سياسي وقانوني أوسع.

وتُظهر الوثائق محاولات للتأثير على القضاء الأوروبي بهدف تعطيل أو منع ملاحقات قانونية تتعلق بجرائم حرب، من دون تسمية مسؤولين إسرائيليين بأسمائهم.

كما يبيّن التحقيق استهداف جمعيات أوروبية داعمة للفلسطينيين عبر ضغوط قانونية وسياسية وحملات تشويه، من بينها جمعيات تضامن وحملات مقاطعة وشبكات تدافع عن نشطاء مؤيدين لفلسطين، تعرّضت لملاحقات موثّقة.

ويركّز التحقيق على كشف منظومة تدخل متكاملة، وليس حالات فردية، فيما يلتزم المسؤولون الأوروبيون الصمت حتى الآن.

الأهداف

يشير التحقيق إلى أن القسم الخاص الذي أنشأته الحكومة الإسرائيلية داخل وزارة العدل يهدف إلى:

  • حماية مصالح إسرائيل القانونية أمام المحاكم الأوروبية والدولية.
  • مواجهة الدعاوى والملفات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان.
  • استخدام وسائل مالية ولوجستية كبيرة لهذا الغرض.
  • تنسيق جهود قانونية دولية.
  • دفع أجور مستشارين ومحامين في أوروبا لحماية المسؤولين الإسرائيليين.
  • التأثير على سياسات قضائية في فرنسا وأوروبا.
  • منع الملاحقات المرتبطة بالتسليح والاستيطان.

العمل خلف الكواليس

ووفقًا للتقارير، فإن الجزء الأكبر من عمل القسم التابع لوزارة العدل الإسرائيلية جرى خلف الكواليس، إذ تدخّل في عدة مناسبات للتأثير على مسار إجراءات قضائية ضد شركات تزوّد الجيش الإسرائيلي بالسلاح أو تعمل في المستوطنات المقامة في الضفة الغربية.

وفي وثيقة داخلية يعود تاريخها إلى سبتمبر من عام 2019، حذّر القسم من أن «مجرد خطر صدور قرار سلبي في مسائل أساسية من القانون الدولي في هذا التوقيت، بينما تحاول إسرائيل منع فتح تحقيق محتمل من قبل المحكمة الجنائية الدولية، يُعد أمرًا مقلقًا للغاية».

كما أظهرت الوثائق تنسيقًا بين وزارات العدل والخارجية والتجارة الإسرائيلية لحشد «الدول الصديقة» داخل الاتحاد الأوروبي لتقديم مذكرات داعمة لإسرائيل أمام محكمة العدل الأوروبية.

ضغوط على القضاء

ووفقًا للتقارير، أسهمت هذه الضغوط، التي أُخفيت على الأرجح في خرق للقانون الإسرائيلي، في إسقاط قضايا عدة، من بينها قضية ضد شركة «Riwal» الهولندية المتورطة في بناء جدار الفصل في الضفة الغربية.

كما ساهمت جهود اللوبي الإسرائيلي عام 2009 في حفظ قضية جنائية في إسبانيا، كان يُشتبه فيها بضلوع وزير الجيش آنذاك بنيامين بن إليعازر وستة ضباط كبار في مقتل 14 مدنيًا في غزة، بينهم أطفال ورُضّع.