واقع الصحافة بموريتانيا : تراجع في المرتبة ... وهشاشة مستمرة ؟!! ــ الجديد نيوز

 

تقرير: محمد ولد أعمر / الجديد نيوز

 

تراجعت  موريتانيا  عالميا 17 درجة، في مجال "حرية الصحافة" حسب تقرير"مراسلون بلاحدود" سنة2025 .


واقع الإعلام في موريتانيا يعيش ضبابية كبيرة، رغم المساعي الرسمية المختلفة لتحسن ذلك الواقع والنهوض به، ولكن الناحية القانونية التي بذلت فيها جهود كبيرة في الخمسة عشرة سنة الماضية لا تكفي وحدها.


إن إصلاح المشهد الإعلامي الوطني يتطلب النظر له بشكل أعم؛ فهنالك ندرة المصادرالبشرية الكفوءة، وهشاشة المؤسسات الإعلامية، وغياب المصادر الدائمة للتمويل الخالية من التأثيرات الضيقة، وضرورةفتح مصادر المعلومات الرسمية، وتنظيم سوق الإشهار، وتوزيع الدعم الرسمي بشفافية وعدالة، طبقا للإنتاج الإعلامي الذي يخدم الدولة والمجتمع، وتولي الإعلاميين الحقيقيين لإدارة 
قطاعهم، بدل اختطافه من طرف جماعات أخرى لأغراض منفعية .
التقرير التالي يعرض لواقع الصحافة بموريتانيا

 

تصدر في المرتبة الإقليمية ...وتراجع في العالمية

 

تراجع تصنيف موريتانيا على مؤشر حرية الصحافة، وفق التقرير السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود، حيث حلت في المرتبة الخامسة إفريقيا، والخمسون عالميا، بينما حافظت على صدارتها عربيا.

 
وحلت موريتانيا وفق التقرير في المرتبة 50 عالميًا من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2025، مقابل المرتبة 34 عالميا في العام الماضي. والرتبة 86 في عام 2023.


وقد تدهورت حرية الصحافة بشكل واضح فى موريتانيا طبقا للتقرير السنوي 2025 ، وفقدت البلاد موقعها المتقدم  بالقارة الإفريقية على مستوى حرية الصحافة مفسحة المجال لدولة جنوب أفريقيا.


ويُقيّم تصنيف حرية الصحافة الوضع في بلد أو منطقة في إطار خمس فئات: السياسة، والقانون، والاقتصاد، والثقافة الاجتماعية، والأمن.

 

مشهد إعلامي هش وفوضوي..

 

نوّه تقري منظم" مراسلون بلا حدود "2024 إلى أن الصحفيين الموريتانيين ما زالوا "يعيشون هشاشة كبيرة" وأنهم ينشطون "في ظل وضع اقتصادي هش" وأنّ الصحفيين هناك يتعرضون "لضغوط كبيرة من السلطة السياسية"إلا أنها مع ذلك أشارت إلى أنهم يعملون "في بيئة أقل قمعا.. منذ إلغاء تجريم المخالفات الصحفية عام 2011.


وتجد تلك الهشاشة تفسيرها بصورة أكثر تفصيلا في تمييع الحقل الإعلامي، وسيطرة مجموعة خارجة عنه بشكل شبه كامل عليه، وهشاشة المقاولات الصحفية، واندثار الصحافة المكتوبة، وفوضوية الصحافة الالكترونية، فقد تم تمييعها وباتت تشمل أكثر من 500 موقع بالكاد يجد فيها القارئ مايلبي حاجته الإعلامية، وانتشار فوضوي للمنصات الرقمية، وسوء استخدام حرية التعبير في بعض الأحيان ببعض تلك المنصات.

أما السمعي البصري الخصوصي فتم اختطافه حيث توجد بالبلاد عدة قنوات مستقلة تعتمد في إنتاجها على ما تقدمه الإذاعة مقابل عائد مادي شهري، و عاجزة في معظمها عن إبرام عقود مع العاملين فيها ، كما أن  هذه المؤسسات السمعية البصرية الناشئة تعاني نقصا كبيرا في المهنية،  والوسائل البشرية والمالية، مما يؤثر على الوفاء بكافة الالتزامات المهنیة والتقنیة المنصوص عليها في دفاتر الشروط والالتزامات الموقعة مع المحطات الإذاعیة والقنوات التلفزیونیة الخصوصیة.

 كمافشلت تجربة  الإذاعات الخصوصية بالكامل وما تبقى منها يصارع من أجل البقاء.


        وفي المجال النقابي، لا تختلف المنظمات الصحفية عن وسائل الإعلام في الكثرة غير الطبيعية، فقد بلغ عدد المنظمات الصحفية 18 منظمة ما بين جمعية ونقابة صحفية، مما أثر سلبا على قضايا الصحافة وزاد من همومها، في ظل غياب مخاطب أوحد وساهم في إرباك المشهد الإعلامي بصورة أكبر..  

   
ترسانة قانونية صخمة .. ولكن ؟

 

شهدت الترسانة القانونية الإعلامية بموريتانيا تطورا مهما خلال السنوات الماضية؛ حيث تمت المصادقة على أبرز تشريعين إعلاميين: قانون حرية الصحافة 0017-2006 وقانون تحرير الفضاء السمعي البصري 045-2010، علاوة على القانون المنشئ للسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية (الهابا) وتعديل تركيبة الهيئة ليمثل فيها الصحفيون والمعارضة ،

 كما تم سن مجموعة قوانين هامة للصحافة الإلكترونية والإشهار والصحفي المهني وصدر مرسوم البطاقة الصحفية المهنية .


بيد أن هذه القوانين كثير منها لم يطبق على أرض الواقع، وبعضها يصعب تطبيقه كالمتعلق بالبطاقة الصحفية، حيث أن المعايير التي حددت للحصول عليها تحتاج وجود مؤسسات إعلامية حقيقية تدرب أصحاب الشهادات وتمنحهم الخبرة اللازمة من جهة، وهي غير متوفرة حاليا بالمعنى الأكاديمى ، ناهيك عن تخوفات من التحايل على القانون بمنح إفادات خبرة غير حقيقية، وهنالك خوف كبير أيضا من هلامية عودة الرقابة  الرسمية على العمل الصحفي وخوف الصحفيين من سحب بطاقاتهم ..

 كما أن الامتيازات المحفزة الموجودة على البطاقة، ستكون مثار جدل في القطاع الخاص، الذي يشهد أزمة كبيرة وغياب تسديد الكثير من مستحقات العاملين فيه، بسبب المطل والتهرب وغياب عقود ملزمة فيه أصلا،.


فوضى تعدد النقابات الإعلامية،  والصراع بينها عائق كبيرفي تنظيم الحقل الإعلامي المختطف منذ عقدين من طرف كثيرين  لا علافة لهم بالمهنة أصلا.

 

خطوات الإصلاح المنشودة

 

قبل فرض القوانين، يجب تطهير الحقل من الدخلاء، ويرى الكثيرون أن البطاقة الصحفية ليست هي الأمثل لذلك، بل إنه  تجب إعادة تأسيس الحقل من جديد وفرض رقابة صارمة على ولوجه، من خلال إنشاء مجلس أعلى للإعلام يديره متخصصون وأكفاء مشهود بنزاهتهم، ويمكنون من  الصلاحيات والموارد المالية والبشرية الكافية، ويتولون تطبيق قوانين القطاع بصرامة ويتابعون المشهد عن كثب ضبطا وتنظيما بالتعاون مع كل الجهات المعنية .


خطوات أخرى تساعد على إصلاح المشهد، وهي تولي الوزارة المشرفة من طرف خبير في الإعلام والاتصال، وعودة قطاع الاتصال الذي يفترض أن الوزارة تستعين بخبرائه من موظفيها في إصلاح المشهد الإعلامي،

 بالإضافة لذلك يجب وضع جوائز تكريمية تشجع العمل الإعلامي المتميز بشكل رسمي، وتفسح المجال للتباري أمام الصحفيين الأكفاء في المؤسسات الرسمية والخاصة .


استعادة الإعلاميين الأكفاء من الأجيال القديمة ووضعهم في ظروف حسنة .

 

وهل يصلح العطار..؟

 

العيد الدولي للصحافة مناسبة لتقييم واقع المهنة في أي بلد ... في موريتانيا الواقع  سوداوي أو رمادي على الأقل، بفعل غياب أصحاب المهنة الحقيقيين، والعبث بالقطاع من طرف فطريات  "لا ناقة ولا جمل" لها في مجال الفكر والصحافة، وتصامم الجهات الرسمية مما جعل الأرضية مناسبة لتكاثرهم وسيطرتهم على الجسم الصحفي وإضعافه.