كيف أثرت مواقع التواصل الاجتماعي على وجهات نظر الرأي العام الأمريكي حول أحداث غزة ؟

ترجمة وصياغة: المصطفى ولد البو


في ضوء الحديث عن تغير في وجهات نظر الجمهور الأمريكي حول ما يجري في غزة، بعد عقود من ضخ الدعاية الصهيونية المكثفة، والتي تستهدف فئة الشباب خاصة، نشرت نيويورك تايمز تقريرا يؤكد تبني هذا الجمهور لموقف مغاير ومفاجئ للكثير من المراقبين، هذا وتشير الصحيفة في بداية التقرير إلى أنه وعلى مدى عامين، امتلأت فضاءات التواصل الاجتماعي للأمريكيين، بصور الغزيين وهم يفرون من الغارات الجوية الإسرائيلية، ويبحثون تحت أنقاض المباني المنهارة عن أحبائهم، مضيفة وكعامل مساعد على هذه الصحوة، أنه في الأشهر الأخيرة، ومع تزايد عدد سكان غزة الذين يعانون من التجويع، قد ظهرت المزيد من مقاطع الفيديو على TikTok و Instagram و X تظهر أطفالا هزيلين نتيجة سوء التغذية يتسولون الطعام ويبحثون عن مياه صالحة للشرب، الأمر الذي قرّب الجمهور الأمريكي من الصورة الأكثر قتامة في أيامنا هذه، كما أنه جعلهم على اطلاع كامل على الجانب الأكثر فداحة لهذه الحرب.
ترى نيويورك تايمز أن هذا التغيير في المحتوى على الإنترنت، تزامن مع تغير آراء الأمريكيين حول إسرائيل، مشيرة أنه في استطلاع أجرته الصحيفة وجامعة "سيينا" هذا الأسبوع، قد انحاز عدد أكبر من الأمريكيين إلى الفلسطينيين على حساب الإسرائيليين لأول مرة منذ عام 1998. مضيفة أن الاستطلاع أوضح كذلك أن تزايد الرفض للحرب كان مدفوعا بانخفاض حاد في الدعم من الناخبين الديمقراطيين، ومع أن الجمهوريين مازالوا يدعمون الكيان الصهيوني بشكل واسع إلا أن الاستطلاع أظهر أيضا انخفاضا وإن كان طفيفا.
ومع أن هناك العديد من العوامل التي تفسر هذا التحول - يضيف التقرير-  إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا محوريا فيه، الأمر الذي أكده الخبراء بقولهم إنه تم على الإنترنت مناقشة هذه الحرب على نطاق غير مسبوق.

ونقلت الصحيفة عن السيد إيمرسون بروكينغ، الباحث في مركز يَدرس المجتمعات الإلكترونية، قوله إن الموقف العام لإسرائيل – كدولة أُجبِرت على خوض حرب دفاع عن النفس وتبذل قصارى جهدها لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين – يتآكل ويفقد مصداقيته يوما بعد يوم بسبب الكم الهائل من الانتهاكات الموثقة بالأدلة والمنشورة على الإنترنت.

لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة معركة رأي عام، أو ما تسمى بالحروب الحديثة، بدء بالسودان مرورا بأوكرانيا وصولا إلى قطاع غزة، حيث قام الناس بتوثيق وتحميل لقطات مختلفة بعد 7 أكتوبر 2023، في الوقت الذي أطلقت فيه إسرائيل حملات تركز على كسب تأييد السود و المشرعين الديمقراطيين باستخدام حسابات مزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي للدفاع عن المواقف المؤيدة لإسرائيل، من جهتها، نشر مسلحو حماس لقطات من هجمات 7 أكتوبر، واستغلوا حسابات بعض الإسرائيليين الذين احتجزوهم كرهائن على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر دعاية هدفها بث الرعب بين صفوف الطرف الآخر يقول التقرير.

تشير الصحيفة إلى أن استطلاعا أجرته في الأشهر الأولى التي أعقبت هجمات 7 أكتوبر، أظهر أن الرأي العام الأمريكي كان مؤيدا لإسرائيل بشكل كبير، حيث أيد 47% الإسرائيليين و20% الفلسطينيين، ومنذ ذلك الحين، استخدم العديد من الفلسطينيين إنستغرام وتيك توك ليرووا قصصهم الخاصة عن الحرب، كما نشر مصورون  في غزة صورا ومقاطع فيديو تظهر آثار الغارات الجوية الإسرائيلية، الأمر الذي أسهم في تغيير هذه النسبة بعد ذلك.

كما أكد التقرير أن Instagram و TikTok يحظيان بشعبية كبيرة بين الشباب الأمريكيين، الذي تخشى إسرائيل تنامي الرفض بين صفوفه لأي تعاون عسكري بين الطرفين، مضيفة أنه وفقًا لاستطلاع الرأي الذي أجرته الصحيفة وجامعة "سيينا" فقد اتهم بعض المشرعين الإسرائيليين والأمريكيين تطبيق  TikTok بالترويج المتعمد للمحتوى المؤيد للفلسطينيين، الأمر الذي نفاه الأخير وأكد في رده على تطبيق سياسة محايدة ومناهضة للمحتوى المعادي للسامية، ويضيف التقرير  أن محاولات إسرائيل للوصول إلى الجماهير عبر الإنترنت قد تعثرت بشكل كبير، وأن الحكومة الإسرائيلية بدت وكأنها تتخلى عن هدف الإقناع، وتفضل محاولة حظر منشورات الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد أصبحت طريقة تكوين الناس لآرائهم حول حرب إسرائيل وغزة معقدة بسبب حملات التأثير العديدة والمختلفة من حيث التوقيت والأدوات، إضافة إلى الصور التي تم إنشاؤها عن طريق الذكاء الاصطناعي والروبوتات التي قد تدفع بأي محتوى من جانب واحد إلى أي جهة.

ونقلت الصحيفة أيضا عن إيمي سبيتالنيك، الرئيسة التنفيذية للمجلس اليهودي للشؤون العامة، وهو تحالف ينتمي لما تُطلق عليه جماعات الضغط،  قولها أن  ”هناك صلة مباشرة بين تزايد الاستقطاب حول قضايا مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والطرق التي تم بها تعزيز هذا الاستقطاب بشكل متكرر، وذلك من خلال التفكير الصفري ( مصطلح التفكير الصفري يرى من يتبناه أنه إذا حصلت مجموعة ما على حقوق أكثر فهذا يعني أن المجموعة الأخرى ستفقد بعض حقوقها) ونظريات المؤامرة على وسائل التواصل الاجتماعي“.

أشار التقرير تعزيزا لهذه النظرية القائمة على تخوف الاحتلال الإسرائيلي من انقلاب الرأي العام الأمريكي عليه، أشار إلى اجتماع نتنياهو مع مؤثرين أمريكيين في قنصلية الاحتلال في نيويورك، تحدث فيه عن مدى قوة مواقع التواصل الاجتماعي ودورها في الحروب واصفا إياها بــ”أهم سلاح " يمتلكه كيانه " لضمان الحفاظ على قاعدته السياسية والشعبية والإعلامية  في الولايات المتحدة، كما اتهم في نفس الاجتماع، مؤسسات ووكالات في الولايات المتحدة بنشر رسائل معادية لإسرائيل ومعادية للسامية بشكل متعمد للأمريكيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرا أن أن تيك توك هو المنصة الأهم التي ستساعده في التأثير على آراء الناس، تليها X في المرتبة الثانية.