أحمدو سيدي محمد الگصري
في ظلّ واقعٍ يشهد ترهّلًا إداريًا وتهاونًا في أداء المسؤولين، يصبح السكوت – بلا عتاب – خياراً إستراتيجياً أذكى، يضع المتسلط أو المتجاهل في موقفٍ من الحيرة والارتباك، دون أن تنزل عليه تبعات المواجهة المباشرة، ولكن ماذا يحدث حين يكون هذا السكوت سلطةً بدون عقل ولا وطنية ؟ كيف نعلّم مسؤولين لا يرون من تحتهم إلا أدوات لتنفيذ أجندتهم الشخصية، بينما يدّعون الوطنية وقد غابت عنهم فعلاً ؟
السكوت عن الفساد مشاركة في الجريمة
من الثوابت الإنسانية والمبادئ الأخلاقية أنه :
“الساكت عن الحق شيطان أخرس”
والسكوت ذريعة للتغاضي عن الأخطاء، ليتكرّس الفساد وتستشري العيوب بدون محاسبة، ففي بعض المجتمعات السكوت عن الهدر المالي أو الاستعمال السيئ للسلطة لم يعد علامة رفض، بل اسفنجة تمتص الهدر وتتغذى عليه.
لماذا لا يعاتب المسؤولون ؟
1. الخوف من فقدان المنافع : يتراجع البعض عن انتقاد الفساد أو المحسوبية خوفًا من الانتقام أو من فقدان الامتيازات.
2. ضعف الرقابة والمحاسبة : حينما تكون المحاكم والهيئات الرقابية متهاونة أو متواطئة، يصبح الموظف “أعمى” و”أخرس” عن أدنى تشكيك أو مساءلة.
3. الولاءات الذهنية : السكوت هنا لا يعني الرضا، بل النفور من المواجهة، الاعتقاد بأن الأمور لا تستحق، أو أن التحرك لا يجدى.
تبعات السكوت هدم الوطن
تقويض العدالة : تتراكم الانتهاكات، وتُفرَض النخب الفاسدة، مما ينتج مجتمعًا مريضًا ومتناثرًا.
ضعف الثقة الشعبية : المواطن يشعر بأن الدولة عاجزة أو متواطئة، فتتهاوى الروح الوطنية وتخسر الدولة شرعيتها.
نشر التهميش : المتقاعسون يتسلقون المناصب، بينما الكفاءات تُجهّز، فتُهدر الطاقات الوطنية.
نحو نقدٍ بناء للمسؤولين
1. المسؤولية الجماعية : لا يكفي أن نقول “أنا لا أسكت عن الظلم”، بل يجب أن نتحرك ونطالب، سواء باللسان أو بالقانون، خاصة وإن لم نتمكن من الفعل المباشر.
2. ملاحقة الأداء وليس مجرد الأقوال : على الساسة ألا يتركوها شعارات خالية، بل إثبات إنجازات ملموسة، لا يكفي الترشح والإلقاء، بل المطلوب جذب الثقة بالإنتاج والنتائج.
3. محاسبة المسؤولين المقصّرين أو الفاسدين : بتطبيق مبدأ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – «خير لي أن أعزل وليًا كل يوم من أن أبقي ظالمًا ساعة» – يجوز استبدال الوظيفي أو المحقق لتكريس الكفاءة.
4. الإصلاح بالشفافية والمساءلة : فتح النقاش العام، ودعم الصحافة المستقلة، وتفعيل أجهزة الرقابة، يجعل السكوت مكلفًا فكريًا وسياسيًا.
الخلاصة
السكوت عن المسؤولين الذين لا يشعرون بواجبهم تجاه مرؤوسيهم ولا الوطن ليس خيارًا ذكيًّا فحسب، بل خطوة نحو كرامة وحرية نفسية، لكن الكرامة وحدها لا تكفي : يجب أن تقترن بالشجاعة، والفعل، والمحاسبة، والإصلاح الحقيقي.
فعندما نُحافظ على صوتنا – لأجل الوطنية والعدل – فإننا لا نبرأ من جريرة السكوت، بل نبني وطنًا يستحق أن نُمهده بكلمة واضحة، أو بصمتٍ ثقيل يُرّبك المُستهترين.
فلتكن رسالتنا : لا نعاتب، لأننا نختار أن نبقى في حيرة المهملين، لكن في الوقت نفسه : لا نسكت على العبث بأرواح وبرزق ومستقبل شعب بأكمله.
أنوكشوط بتاريخ : 08 يونيو 2025
أحمدو سيدي محمد الكصري
خبير وطني في مجال التوجيه المهني
المعهد الوطني لترقية التكوين التقني والمهني