بعد تحدّيه رواية ترمب عن إيران.. إقالة كروز من استخبارات الدفاع

أقال وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسِث، يوم الجمعة، الفريق أول جيفري كروز، مدير وكالة استخبارات الدفاع (DIA)، في خطوة تُعد الأحدث ضمن سلسلة إقالات استهدفت كبار ضباط الأمن القومي في الولايات المتحدة، بحسب ما أفاد به مصدران مطلعان على القرار.

وأفاد المصدران لصحيفة واشنطن بوست اليوم السبت، اللذان رفضا الكشف عن هويتهما بسبب حساسية الموضوع، بأن السبب المعلن للإقالة كان «فقدان الثقة»؛ وهو التبرير العام الذي استخدمه هيغسِث سابقًا لتبرير إقالة ضباط عسكريين رفيعي المستوى منذ تسلّمه المنصب.

تُعدّ إقالة كروز أول إجراء يتم تأكيده رسميًا في سلسلة إقالات قال مسؤولون عسكريون إنها قد تتوسع خلال يوم الجمعة. ومن بين من أُقيلوا أيضًا نائبة الأدميرال نانسي لاكور، قائدة احتياطي البحرية، والأميرال ميلتون ساندز، أحد ضباط قوات «نيفي سيل» والمسؤول عن قيادة العمليات الخاصة في البحرية، وفقًا لمصدرين آخرين مطّلعين على الوضع.

وقد جاءت إقالة كروز في أعقاب تقرير أولي صادر عن وكالة استخبارات الدفاع في يونيو بشأن الضربات العسكرية الأميركية على ثلاثة مواقع نووية رئيسية في إيران، وهو تقرير أثار ردّ فعل غاضب من إدارة ترمب بعد أن كشفته كل من CNN ونيويورك تايمز.

فقد قدّر التقرير أن قدرات إيران النووية تراجعت لبضعة أشهر فقط، ما يتعارض مع التصريحات العلنية لكل من هيغسِث والرئيس دونالد ترمب، اللذين أكدا أن القدرات النووية الإيرانية «دُمّرت بالكامل».

وأكد متحدث باسم وكالة استخبارات الدفاع أن كروز لم يعد رئيسًا للوكالة، مشيرًا إلى أن نائبته كريستين بوردين ستتولى المنصب مؤقتًا. ولم يرد البنتاغون فورًا على طلب التعليق.

منذ تولّيه المنصب، أقال هيغسِث عددًا من كبار القادة العسكريين في الولايات المتحدة، من بينهم رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال تشارلز كيو براون الابن، وقائدة العمليات البحرية الأدميرال ليزا فرانشيتي، وقائدة خفر السواحل الأدميرال ليندا فاغان، ونائب رئيس أركان القوات الجوية الجنرال جيمس سلايف.

وأعلن رئيس أركان القوات الجوية، الجنرال ديفيد ألوين، يوم الإثنين، أنّه سيتقاعد في نوفمبر المقبل، بعد أن طُلب منه التنحّي الأسبوع الماضي وأُجبر على مغادرة منصبه.

بالتوازي، أقالت إدارة ترمب عددًا من رؤساء وكالات الاستخبارات، وهي مناصب يُفترض أن تكون بعيدة عن التسييس، كما هو الحال في المؤسسة العسكرية.

ففي أبريل، أقال ترمب الجنرال تيموثي هو، مدير وكالة الأمن القومي (NSA) القوية، المتخصصة في التنصّت الرقمي والإلكتروني. كما أُقيلت نائبته ويندي نوبل بعد حملة ضغط قادتها الناشطة اليمينية المتطرفة لورا لومر.

وفي مايو، أقالت مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، رئيس المجلس الوطني للاستخبارات بالوكالة مايكل كولينز ونائبه، بعدما أصدر المجلس تقييمًا تحليليًا محترفًا يناقض مبررات ترمب لتفعيل «قانون الأعداء الأجانب» وترحيل مشتبه في انتمائهم لعصابات فنزويلية من دون إجراءات قضائية.

تولّى كروز منصبه كمدير لوكالة استخبارات الدفاع في ديسمبر 2023. وكان قد شغل سابقًا منصب المستشار العسكري الأرفع لسلف تولسي غابارد في إدارة الاستخبارات الوطنية، أفريل هاينز.

ورغم أن وكالة استخبارات الدفاع (DIA) أقل شهرة من نظيراتها مثل وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، فإنها تُعدّ المكتب الاستخباري الأساسي لهيئة الأركان المشتركة، وتوفّر معلومات استخباراتية ميدانية للقوات الأميركية المنتشرة حول العالم. كما تُدير شبكة الاتصالات السرية المسماة «نظام الاتصالات الاستخباراتية العالمية المشتركة» (JWICS).

وقد وصف مسؤول سابق في الاستخبارات العسكرية الجنرال كروز بأنه «محترف بكل معنى الكلمة»، وأشاد بعنايته بالعاملين معه. وأضاف أنّ كروز كان «مثالًا يحتذى لضابط استخبارات ناجح في سلاح الجو»، وقد ارتقى في المناصب بعد أداء متميّز في مواقع حساسة وصعبة.

قال السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، كبير الأعضاء الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ:
«ليس من المفاجئ أن تأتي إقالة الجنرال كروز بعد صدور تقييم من وكالة استخبارات الدفاع يناقض تصريح الرئيس الذي قال إنه «دمّر» البرنامج النووي الإيراني».
وأضاف: «هذا النوع من التحليل الصادق القائم على الحقائق هو بالضبط ما نريده من أجهزتنا الاستخبارية، بغضّ النظر عمّا إذا كان يُرضي السردية السياسية للبيت الأبيض أم لا».

من جهته، قال النائب الديمقراطي جيم هايمز، نظير وارنر في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب:
«إذا كان لدى الإدارة مبرّر لإقالة كروز، فعليها أن تقدّمه للكونغرس فورًا. وإلا، فليس أمامنا سوى الافتراض بأن هذه الإقالة دوافعها سياسية، وتستهدف ترهيب مجتمع الاستخبارات وتقييد قدرته على أداء واجبه في حماية الأمن القومي».

وكان تقييم وكالة استخبارات الدفاع الذي أثار غضب ترمب وهيغسِث يهدف إلى تقديم نظرة أولية عن الأضرار التي لحقت بالمواقع النووية الإيرانية إثر الضربات الأميركية، والتي شملت استخدام قنابل خارقة للتحصينات تُعرف باسم «مخترقة الذخائر الضخمة». وقد أكّدت تحليلات لاحقة، سواء من وكالات أميركية أو محللين مستقلين، أن المواقع تعرضت لأضرار جسيمة، لكنها لم تصل إلى حد «الإبادة» كما روّج البيت الأبيض.

وأشار أحد مسؤولي إدارة ترمب إلى أنّ مستقبل الجنرال كروز كان موضع نقاش منذ أشهر، وأنّ غابارد كانت تدرس استبداله. وأضاف أن السبب الجزئي لاستهداف كروز هو تنامي الانطباع بأن وكالة الأمن القومي (NSA) تحت قيادة هوغ، ووكالة استخبارات الدفاع (DIA)، كانت تربطهما علاقة وثيقة.

وقال مسؤول عسكري في الوكالة إنّ من اللافت متابعة كيفية تعامل كروز مع الضغوط الكبيرة على الوكالة خلال فترة إدارة ترمب. وأضاف: «كان واضحًا جدًا بشكل فاجأني... في شرحه للموظفين كيف سيتم التعامل مع التحديات، وحتى عندما لم يكن يعرف اتجاه الإدارة، لم يتردّد في المصارحة».