لا يشغل الرأي العام الوطني في مجال السياسة ـ حالياـ سوى مبررات التعديل الوزاري الجزئي قبل يومين.
أسباب الاهتمام بالتعديل الوزاري جلية؛ فموريتانيا تصدق عليها المقولة "بلاد المليون سياسي" أسوة بالمقولة الأخرى "بلاد المليون شاعر.
الأسباب وجيهة لانشغال الناس هنا بالسياسة وإبداء الرأي، فحرية التعبيرهنا متوفرة وبجرعة زائدة، وارتباط المجتمع بالسياسة في دوائره المختلفة واضح وقوي .
بيد أن الصعوبة الحقيقية تكمن هنا، في البحث عن وجاهة أي تعديل على أساس منطقي مكين، حسب ما هو متعارف عليه في الديمقراطيات العتيدة؛ حيث الحكومة لها ضوابط والديمقراطية واضحة المعالم "أغلبية ومعارضة".
صحيح أن موريتانيا دولة ذات نظام رئاسي، حيث يمتلك الرئيس كل الصلاحيات في السلطة التنفيذية، وهو الذي يعين الوزير الأول وباقتراح منه يعين الحكومة .
عادة للحكومة معايير فهي اما تكنوقراطية أو سياسية أو مزيج من الاثنين، ولكن في البلد هنا، لا يمكن أن نطبق هذه المعايير لأن الحكومة أو(التعديل الوزاري) تشكل على أساس اعتبارات أخرى .
تعديل دون التطلعات
يرى مراقبون للشأن الوطني أن التعديل الوزاري الأخير، كان دون المستوى، لأنه لم يحدث الرجة التي كانت مطلوبة على مستوى الرأي العام، ولم يستهدف قطاعات حساسة، يرى المراقبون أنها تشكو من ضعف في الأداء وأخرى تحوم شكوك حول نزاهة التسيير فيها .
وأكد المراقبون أن القطاعات التي شملها التعديل الأخير، كان بعضها جيّد الأداء كالزراعة والصحة والعدل ـ مثلاـ ولم يكن هنالك داع أصلا للتغيير فيها .
بينما أهملت قطاعات يومية، يرى المراقبون أن أداءها كان ضعيفا ويعتمد على البهرجة الإعلامية ومنها التجارة والمياه والكهرباء والنقل والتعليم العالي .. وهذه القطاعات تعاني ضعفا مزمنا وتؤثرعلى حياة الناس .
ويوجه كثير من المراقين انتقادات لحكومة ولد أجاي؛ حيث تشير السِّيّر الذاتية لأغلب أعضائها، أنهم سبق وأن شغلوا مناصب وزراية قبل عقدين من الزمن أو أكثر، أو أنهم من أبناء وزراء سابقين شاركوا في تسيير البلاد منذ مرحلة ما بعد الاستقلال، وخدم بعضهم في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع وما بعدها، وهو ما يجعل الرأي العام يتحفظ عليهم، باعتبار غالبية تلك الفترات لم تعرف أداء يذكر في جلّ قطاعات الدولة، بل كانت فترات كرنفالات سياسة وفساد كبير ليس إلا.
مفارقة كبيرة... واتهام بالفساد !!
المراقبون أيضا أبدوا تحفظهم على عدد من أعضاء الحكومة الحالية، الذين خدموا في نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، الذي يتهم النظام الحالي عهده بالفساد، ومازال يحاكمه في ملف العشرية.
ورغم ذلك مازال يعتمد على عدد من وزرائه لتسير حقائب بالبلاد، وأكدوا أنه مادام ذلك النظام متهما بالفساد، فلماذا لا يعتمد النظام الحالي على وزراء من غير حقبته، مؤكدين أن التدوير للوزراء، وعدم استدعاء أسماء جديدة، لا يخدم صورة النظام الحالي كثيرا في معركته ضد الفساد.
معايير أكل الدهر عليها وشرب
يرى متتبعون للشأن العام، أن المعايير المدروسة (حكومة تكنوقراط أو حكومة سياسيين أو مزيج من الاثنين) لا تتيع أبدا في موريتانيا، بل هنالك معايير التوزانات القبلية، والتدوير، والشرائحية، والتوريث والترضية السياسية والقبلية.
ومعلوم أن هذه المعايير لايمكن أن تشكل على أساسها حكومة ذات كفاءة معتبرة، بل هي كوابح أصلا للديمقراطية الحقيقية والعمل الحكومي الجدي، ثم إن اتباعها لا يخدم تنمية البلد ولا يمكن أن يكون سبيلا لإصلاح الإدارة التي هي اليد الطولى للدولة.
كما يعتبر علائقا كبيرا أمام تعيين الأكفاء في مختلف دواليب الدولة، على اعتبار أن هذه الاعتبارات هي ذاتها التي يتم التركيز عليها غالبا في التعيينات الهامة للمسؤولين .
تعيينات .. و منطق أعوج
سؤال بَدهيّ يطرحه حاليا كل عاقل؛ كيف يتم توجيه خبير اقتصادي برز في مجاله ليكون وزيرا للزراعة، ثم كيف يتم التخلي عن دكتور خبر دهاليز الصحة لعشرات السنين دون سبب وجيه، ثم كيف يتم؟ ما ذا بمقدور إطار في البحرية التجارية فعله في قطاع الشؤون الإسلامية ؟ وماهي قيمة الترضية السياسية في العمل من أجل مصلحة الشعب، وكيف لخبير في مجال الإدارة أن يتحول عليما يما يدور في دهاليز القضاء والقوانين والمحاكم في طرفة عين؟
معاييرالتعيين .. كوابح للأداء الجيد
إن التعيين في الحكومة على تلك المعايير السابقة المتخلفة، هو ما يجعل من الصعوبة بمكان أن يتم التحليل المنطقي لأي تعديل وزاري أو تشكيل أي حكومة مستقبلا، ولكن ليس هذا هو الخلل الوحيد، بل إن اتباع تلك المعايير المتخلفة يبقى عائقا كبيرا دون أداء وجود حكومة فعالة، ومتناسقة الأداء لسبب وحيد وهو أن دخول الحكومة وخروجها ليس ـأصلاـ مرتبطا بالكفاءة وجودة الأداء، بل باعتبارات أخرى، لا يتحكم فيها الرئيس ولا الوزير الأول، نظرا لتجذرهما وهيمنتهما وابتلاعها للدولة أصلا.
يقول ابن خلون " كلما قويت الدولة ضعفت القبيلة، وكلما قويت القبيلة ضعفت الدولة "
ميزات جيدة للتعديل الجديد ...
من باب الموضوعية؛ يحسب للتعديل الجديد كميزة أولى أنه جاء بعد سنة من تشكيل أول حكومة للوزير الأول الحالي المختار ولد اجاي، وهي فترة معقولة، للنظرفي ضخ دماء جديدة في العمل الحكومي من خلال تعديل جزئي في الحكومة .
الميزة الثانية هي أن كل الوزراء الجدد المعينين لهم دراية بدواليب العمل الحكومي، باستثناء وزيرة الوظيفة العمومية الجديدة، فهي قادمة من سلك وظيفة محاسبة في السفارة بنيويورك .
الميزة الثالثة؛ هي أن التعديل الجديد استعصى على التكهنات، فلم يعين فيه أي من الأسماء التي كانت متداولة على الألسن، ولم تشوش عليه التوقعات الإعلامية، كما كان يحدث في السابق وهي ميزة جديدة في الشفافية بالعمل الحكومي.
قيم كبيرة غائبة
هنالك قيم كبيرة وهامة غابت عن التعديل الوزاري الأخير، نذكر منها حضور الشباب، رغم أن الرئيس سبق أن أكد أن مأموريته هذه مخصصة للشباب، كما غاب التخصص عن التعديل الأخير فباستثناء وزير الصحة لم تسند القطاعات الأخرى لمختصين فيها، وهو ما يعيدنا للسؤال السرمدي: هل يمكن أن ينجح وزير لاعلاقة له بالمجال، ويكون أداؤه أحسن من المتخصصين ؟