الباحث في مجال التراث، أحمد مولود أيدة الهلال لــ "الجديد نيوز" : هناك مجهود كبير يقام به من أجل إنقاذ المدن التاريخية وتنميتها

ضيفنا في هذه المقابلة باحث في مجال التراث وأستاذ جامعي حاصل على شهادات عليا من الجامعات التونسية .

مثقف وله نشاط أكاديمي حافل،  شارك في عشرات الندوات الوطنية والعربية والمغاربية والإقليمية  والدولية في مجال تخصصه " نقش العمارة " والتراث بشكل عام.  

يقول ضيفنا هناك مجهود كبير يقام به من أجل إنقاذ المدن التاريخية وتنميتها.

ويؤكد أن العمارة الموجودة عندنا في المدن القديمة هي جزء من إرث هام جدا، يؤشر على وجود مستويات من الاستقرار على الرغم من طابع البداوة والترحال الذي هو السمة الغالبة للمجتمع.

يستبشرضيفنا بمصادقة الحكومة على إنشاء مدرسة للهندسة المعمارية باعتبارها ستمكن من تعزيز البصمة الخصوصية في العمارة بالبلاد .

ضيفنا يشغل حاليا نائب عميد كلية الآداب بجامعة نواكشوط العصرية وهو شاب طموح وعملي ولديه رؤى كثيرة وتجارب سيسخرها بالتأكيد لتطوير برامج الكلية وأدائها .

الجديد نيوز يستضيف لكم الباحث في مجال التراث والأستاذ الجامعي الدكتور: أحمد مولود أيدة الهلال

الجديد نيوز: بوصفكم كنتم تديرون مختبر التاريخ والتراث الموريتاني من العام 2017 وحتى 2020 كيف ترون واقع المدن التاريخية وأهم طرق الحفاظ عليها كتراث عالمي؟

بالنسبة لواقع المدن التاريخية، أعتقد أن المهرجان منذ أن أخذ مساره في العام 2020 وأصبح يعرف بمهرجان "المدائن القديمة" أصبح فيه مكون يتعلق بالتنمية المحلية للمدن وبالتالي أسهم في مجالات هامة جدا، استفادت منها الساكنة، ومست جوانب تتعلق باستصلاح الواحات وتوفير الكهرباء وتحسين مستوى عيش السكان، ودعم المشاريع المحلية لتوطين السكان في هذه المدن، وبالتالي أعتقد أنه أخذ مسارا جيدا.

وثمة جانب ينبغي التركيز عليه مستقبلا وهو جانب ترميم الأحياء القديمة، ومن المستحسن أن يذهب جزء من الميزانية لهذا الجانب، وتمهيد مسالك للسياحة الصحراوية في المدن القديمة، و في هذا الصدد يمكن البناء على تجربة مدينة "وادان" التي أشرف عليها البرتغاليون في مطلع الألفية، وقد شكلت تلك الترميمات التي قاموا بها نقطة جذب هامة للسياح في مدينة  وادان.

هناك مكتسبات تتحقق وهناك ما ينبغي تحقيقه.

الجديد نيوز: صنفت اليونسكو المدن التاريخية ضمن التراث العالمي. ماهي دلالة هذا التصنيف وفائدته على تلك المدن؟

تصنيف اليونسكو للمدن التاريخية ضمن التراث العالمي تم بتاريخ 7 دجمبر 1996 وهي فترة تقترب من 30 عاما، وهذا التصنيف يقتضي ترميم هذه المدن والعمل على المحافظة عليها بوصفها أصبحت تمثل تراثا عالميا، وهذا ما تم لأن الدولة الموريتانية من العام 2011 شرعت في تنظيم مهرجان المدن القديمة، وهو مهرجان ينظم كل سنة في واحدة من هذه المدن، ومن خلال الدورات الماضية أنجز الكثير من العمل وبقي الكثير.

 

الجديد نيوز: يقام مهرجان" مدائن التراث" كل عام بإحدى هذه المدن. كيف تقييمون النسخ الماضية خاصة في مجال تنمية هذه المدن وصيانتها؟

انطلق المهرجان 2011 وكان يحمل عنوان مهرجان "المدن القديمة" واستمر يحمل هذه الاسم حتى 2020 أصبح يطلق عليه مهرجان "مدائن التراث" وقد تغيرت فلسفة المهرجان، فلم يعد حكرا على وزارة الثقافة وإنما أصبحت كل القطاعات المعنية تباشر التدخل في المجالات المعنية بها، وزارة الاقتصاد والتنمية الريفية وزارة الزراعة .. وكل القطاعات تتدخل من أجل وضع برامج تخدم التنمية المحلية في المدينة التي تستقبل المهرجان، وبالتالي أعتقد أنه من العام 2020 تحسن مساره، وعموما فإن النسخ في السنوات الخمس الماضية شهدت تحسنا ملحوظا بفضل البرنامج الموازي في تنمية هذه الحواضر.

الجديد نيوز: لديكم مشروع طموح للحفريات الأثرية مع "كولج  دفرانس" العريقة. ماهو هذا المشروع وما هي فوائده بالنسبة للبلاد؟

بالنسبة لمشروع الحفريات منذ سنوات هناك تعاون بين الجامعة ووزارة الثقافة ممثلة في المعهد الموريتاني للتكوين في مجال التراث.

استطعنا في العام المنصرم أن نستأنف الحفريات المتوقفة تقريبا منذ العام 89 في موقع "آزوكي " بفضل الدعم الكبير الذي قدمه وزير الثقافة الحسين ولد مدو ورئيس جامعة نواكشوط الدكتور علي محمد سالم البخاري.

 ولدينا برامج أخرى بالتعاون مع جامعة نواكشوط ومعهد التكوين في مجال التراث على ضفة النهر، ومنها مشروع آخر ألماني ينتظر إطلاقه إن شاء الله في السنوات المقبلة بولاية تكانت، وهناك مجموعة من البرامج التي يمكن أن تتحقق بفضل التعاون بين وزارة الثقافة وجامعة نواكشوط في ظل وجود مختبر وفريق في الآثار تم ابتعاثه منذ سنة وسيبدأ العمل في العام 2026 

كل هذه الأمور الهدف منها معرفة التراث وتوثيقه وتثمينه، لأنه بدون بحث لايمكن  تثمينه على النحو المطلوب، وعندما يتم ذلك يمكن إدخاله في الدورة الاقتصادية وهذا ما نسعى إليه.

تنبغي دراسة التراث الثقافي فهي التي ستمكننا من الحفاظ عليه ومعرفته حق المعرفة، وتمكن كذلك من إدخاله ضمن الدورة الاقتصادية وجعله رافعة للتنمية، وبالتالي فإن عملية البحث فيه تعتبر هامة وهي التي يمكن أن تفتح آفاقا في هذا المجال.

الجديد نيوز: أنتم مختصون في فّنّ النقش والعمارة، وهو فنّ ما زال يحظى باهتمام ضعيف بالبلاد بشكل عام. كيف ترون مستقبله، وفن العمارة بالبلاد بشكل عام؟

الترا ث المعماري الموريتاني جزء هام من موروثنا، وهذه العمارة الموجودة عندنا في المدن القديمة هي جزء من إرث هام جدا، لأن غالبية سكان البلد في القرون الماضية، كان نمط العيش الموجود تطبعه البداوة والترحال، ووجود هذه العمارة في المدن القديمة دليل على مستوى من مستويات الاستقرار، وبالتالي فإن هذه العمارة مهمة لأنها تشكل هويتنا المعمارية، والحمد لله أن مجلس الوزراء هذه السنة اتخذ قرارا بفتح مدرسة للفن المعماري تابعة لجامعة نواكشوط، وهذا أمر في غاية الأهمية.

  بلدنا أصبح يحتاج مدرسة لهذا الفن مع تزايد مشاريع البناء والإعمار فيه، حتى توضع البصمة الخصوصية الموريتانية في العمارة على كل مشاريع الإعمار، وبالتالي أعتقد أن التراث المعماري في هذه الناحية دراسته مهمة وتثمينه وتدريسه.

وهذه الخصوصية المعمارية شواهدها موجودة في المدن القديمة، ونحن في عالم تعتز فيه البلدان بتراثه المعماري وتحاول توظيفه في المنشآت الجديدة، ومعلوم أن فن العمارة تطور في دول العالم، لكن الجزء المتعلق بالهوية دائما يمكن اقتباسه من الموروث مع بقاء الوفاء للتقنيات المعمارية المعتمدة في العالم كله. 

الجديد نيوز: شاركتم مؤخرا بالدورة 28 للأثاريين العرب بالقاهرة.

ماهي أبرز ما أسفرت عنه هذه الدورة بشكل عام؟

فعلا شاركت في المؤتمر 28 والعشرين لاتحاد الآثاريين العرب، وهذا المؤتمر كان موضوعه الأساسي هو: الآثار العربية في البلدان التي تعاني من أزمات، وقد قُدّمت في هذا المؤتمر 22 ورقة بحثية منها ورقة حول حفريات "آزوكي" التي استؤنف العمل فيها في السنوات الماضية.

كذلك من مخرجات هذا المؤتمر توصيته بدعم أعمال البحوث العلمية في حقل الآثار الموريتاني، وعبر الاتحاد عن الاستعداد التام للتعاون  مع وزارة الثقافة الموريتانية  ومع الباحثين الموريتانيين في مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي ومعاضتهم في كل ما يجري من أعمال بحث وحفريات، وخصص الاتحاد ندوة عن التراث الأثري الموريتاني، أسفرت عن جملة من التوصيات من بينها تخصيص اتحاد الآثاريين منحة لأحد الطلاب الموريتانيين  لدراسة آثار بلادنا. 

الآثار في بلادنا تعاني من مشكل عويص جدا وهو أن هناك جيلا من الآثاريين المعماريين الذين تكونوا في ستينيات القرن الماضي ميدانيا في موقع أوداغست الوسيطة.

بدأت الحفريات في وقت مبكر في موريتانيا مع بواكير الاستقلال، فقد كانت دولة الاستقلال تحتاج إلى المستند الأثري لإثبات الذات والتأكيد على أن موريتانيا عرفت حضارات كبيرة جدا منها امبراطورية دولة غانا ومملكة أوداغست، وآثار ما قبل التاريخ في كثيرمن المواقع الأثرية الموريتانية.

ومنذو نهاية التسعينات توقفت الحفريات مع الأسف، فإن الجيل الذي كان معنا من الأثريين في السبعينات والثمانينات ذهب إلى التقاعد من غير أن يتم تكوين جيل جديد، وبالتالي فإن حفريات آزوكي تهتم بدورين أساسيين: إحياء واستئناف الحفريات الأثرية في المواقع لأن وجود البعثات العلمية بمثابة البوصلة ويساهم في ضبط الأمور والتكوين وزيادة الوعي وفي إعطاء الرأي والمشورة.

الحفريات الماضية بدأناها بخمسة طلاب واليوم فريقنا مكون من عشرة طلاب من جامعة نواكشوط، وننتظر اعتماد ماستر آثار في العام القادم إن شاء الله في قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية.

الجديد نيوز: في بلادنا يسود تلوث بصري كبير في غالبية المدن، مع غياب الاهتمام بفن العمارة والنقش. ماهي الأسباب في نظركم، وكيف نعلي من الذائقة الجمالية لمدننا في المستقبل؟

بالنسبة لما وصفتموه بتلوث بصري كبير في غالبية المدن الموريتانية، أعتقد أن مرده لنمط العيش الذي كان سائدا قبل الاستقلال ورواسب البداوة التي مازالت متحكمة في السلوك العام، وبالتالي من الصعب جدا أن يتم تغيير العادات والسلوكيات بين عشية وضحاها، وعلاقة الموريتاني بالمدينة مازالت تحتاج الكثير من الوعي بالسلوك المدني وهذا لا بد له من الوقت، ولربما يكون الجيل القادم أفضل في التعاطي مع هذه المسألة.

وأعتقد أن من بين الأمور التي ستسهم في تغيير المشهد الذي وصفتموه بالتلوث البصري هو تأسيس مدرسة وطنية للهندسة المعمارية في بلادنا، وأنا على يقين من أنها ستحدث الفارق الإيجابي .

الجديد نيوز: درستم في تونس وشاركتم في عديد الندوات العلمية والفكرية. ماهو الانطباع العام عن موريتانيا لدى الضيوف المشاركين بتلك الندوات ؟

شاركت والحمد لله في عشرات الندوات الوطنية والعربية والمغاربية والإقليمية وحتى الدولية، وعموما الانطباع الذي يحمله المشاركون عن موريتانيا هو انطباع جيد جدا، والحمد لله أن بلدنا بحكم موقعه وثراء ثقافته وتنوعها، يحظى بالكثير من التقدير والاحترام من طرف الآخرين، والنخب الموريتانية كذلك تفرض احترامها لتميزها وكفاءتها.

الجديد نيوز: في كلية الآداب عديد التخصصات. هل من بينها مجال الآثار؟ وهل هذا التخصص يجذب الطلبة في ظل العولنة والثورة الرقمية؟

نحن في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، تقدمنا في السنة الماضية ضمن تجديد المقررات الجامعية بماستر لمهن التراث، الهدف منه هو تكوين مختصين في مهن التراث بالمتاحف، والمحافظة على المعالم والمواقع الأثرية. وهي قيد الاعتماد من طرف السلطة الوطنية لجودة التعليم العالي. ثم بعد ذلك يمر على مجلس التعليم العالي حتى يصبح معتمدا ضمن كلية الآداب.

نتوقع أن تبدأ الدراسة بعد كل هذه الموافقات من طرف المؤسسات والسلط المعنية بالتعليم العالي.

أهمية هذا الماستر أنه يستجيب لسد نقص كبير جدا في الكفاءات في الآثار سواء في المتحف أو في المواقع الأثرية والمحافظة على التراث.