أثناء جلسة شاي على كثيب رملي بطريق المقاومة، حدثني صديقي الشاعر أبو أيمن ، أنه رأى مواطنا "موريتانيا" أقول موريتانيا وليس "يابانيا" وهو منشغل بإطفاء نار أضرمها (الكولابة) في أكوام من القمامة بحيّه، وأنه اشترى صهريجا من الماء بـ 30 ألف أوقية قديمة ليستعين به على إخماد الحريق، بدلا من الجلوس دون حراك وهو ينتظر وصول الحماية المدنية أو تدخل عمدة المقاطعة.
وحين تنادى أهل الحيّ، لمساعدته وتقسيم أعباء الصهريج المادية على الحاضرين رفض رفضا باتا، وقال إن هذا واجبه كمواطن يحب وطنه ويَحْدِبُ على مواطنيه.
وحين رأى صديقي علامات الاستغراب بادية على وجهي قال لي: وهل تعلم أن نفس المواطن مرّ ذات صباح وهو في طريقه للعمل، على أنبوب يتدفق منه الماء، دهسته سيارة فأحدثت فيه ثقبا كبيرا.. توجه مباشرة إلى أقرب فرع للشركة واصطحب معه عمالا لإصلاح عطب الأنبوب، وظل واقفا معهم حتى تكللت العملية بالنجاح.
واليوم تضج وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بمواطنين موريتانين، ليسوا على شاكلة هذه المواطن الطيب، مواطنون يوزعون الموت والخراب دون أن يرِفّ لهم جفن، همهم الوحيد جني المال، قلوبهم من الفولاذ وأجسادهم حطب جهنم.
وطننا الغالي يحتاج إلى النموذج الأول، ويجب أن يكون حازما في معاقبة الثاني، بما يستحقه من جزاء على فعلته المنكرة الشنيعة.
أعرف أستاذا درسني كان يغلق هاتفه الجوال عند بدء الحصة، لكي لا يسرق لحظة عابرة من وقت طلابه، وأعرف معلما أفنى زهرة شبابه مدرسا ناصحا، جاب مختلف ربوع الوطن ينشر العلم والأخلاق، وقد سألته ذات يوم ممازحا، لماذا كلما تفانيت في العطاء همّشتك الوزارة؟ فكان رده: لقد اخترت هذه المهنة عن قناعة، وأعرف أنها ليست وسيلة لتحصيل المال، ولكني سأقوم بواجبي ولا أنتظر جزاء ولا شكورا من أحد.
ختاما.. لا تبتئس عزيزي المواطن فبلادنا والحمد الله مليئة بالمواطنين الخيرين الذين يتحملون المسؤولية والأمانة .. ويخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار.
الخير باق في هذه الوطن ولن يغلبه الشرّ.. وكيد الشيطان أوهى من بيت العنكبوت.