أحمد سالم ولد لكبيد
يتصور بعض الناس أن استقرار البلاد وسعادة أهلها يتم بالديمقراطية المتمثلة في المنافسة الحرة والبرامج والاحزاب وصناديق الاقتراع..
يا ليت الأمر كذلك..
ولكنه ليس كذلك مع الأسف وخاصة في عالمنا العربي وقارتنا السمراء..
ماذا عن الانقلابات العسكرية..؟
ماذا عن الفساد والتخلف والأمية وغير ذلك من أسبابِِ تخلق بيئةََ ملائمة للانقلابات والفتن والحروب..؟
في الغالب عندما تتوفر لضابط او مجموعة ضباط الفرصة لقلب النظام يتم ذلك بقوة السلاح دون مراعاة للقانون أو لإرادة الشعب..
رأينا دولا اكتوت شعوبها بالانقلابات وثارت ضدها وثار معها المجتمع الدولي، وفي الأخير لم تنجح ويئست واستسلمت لقدرها..
في مالي المجاور ثار الشعب ضد الانقلابات المتواصلة وعارضها الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي وباءت كل تلك الجهود بالفشل وتواصلت المأساة..
في بوركينا فاسو ثار الشعب أيضا مرارا وتكرارا ضد الانقلابات، وفي سنة 2015، تكاتفت القوى الحية في الشعب وافشلت انقلاب الجنرال جيلبرت دينديري الذي تمت محاكمته وتم حل الحرس الرئاسي.. وتنفس يومها البوركينابيون الصعداء و ظنوا ان الانقلابات العسكرية انتهت إلى الأبد، ولكن هيهات.. فالنقيب ابراهيم يحكم منذ 2022 بانقلاب عسكري وحتى الآن تعرض لخمس محاولات انقلابية..!
ونفس الشيء اتشاد والنيجر والغينيتين..ووو..
ولكن نسيت مع الأسف..!
فبلادنا عرفت خمس انقلابات عسكرية غيرت الأنظمة القائمة في السنوات: 1978 - 1979- 1984- 2005- 2008..بالإضافة إلى عدة محاولات بعضها دموي..
وفي العالم العربي اللائحة طويلة..
وحسبنا مثالا الانقلاب الذي قاده الجنرال السيسي سنة 2013 واطاح بالرئيس المنتخب أحمد مرسي..
وفي المغرب حاول الجنرال المذبوح قلب السلطة سنة 1971، ووقعت محاولة ثانية بعد ذلك بسنة بقيادة الجنرال اوفقير.. وقد انتهت الانقلابات لأن الملك أصبح يباشر قيادة الجيش ووحداته..
وفي سنة 1965 قام العقيد هواري بو مدين بانقلاب اطاح برفيقه الرئيس أحمد بن بله .. ومنذ ذلك التاريخ أصبح استقرار الجزائر تبعا لانسجام القوات المسلحة فيها..
وفي ليبيا قاد العقيد القذافي انقلابا سنة 1969 اطاح بالملك السنوسي وعرفت البلاد دكتاتورية على اثر ذلك لعدة عقود، اوصلتها لما هي عليه اليوم..
وفي تونس سيطر العقيد زين العابدين بن علي على السلطة بانقلاب صامت سنة 1987، وتم رحيل نظامه بثورة شعبية سنة 2011، وقد دخلت البلاد مرحلة من الاضطرابات المستمرة..
اما في المشرق العربي، العراق وسوريا واليمن والسودان، فالانقلابات العسكرية عدد اوراق الشجر والحصى..!!
على كل حال سالت دماء كثيرة ودموع غزيرة بسبب هذه الانقلابات ..
لذلك فاستقرار البلاد ليس بالديمقراطية والتناوب السلمي فحسب، بل برجل قادر على السيطرة على القوات المسلحة ومنع الانقلابات والاضطرابات ..
هذا النوع من القادة نعمة من نعم الله ..
وصل أحمد مرسي رحمه الله إلى السلطة بانتخابات، وكانت تدعمه أقوى تشكيلة سياسية في مصر..ولكن مع ذلك، تمت الاطاحة به بانقلاب عسكري، لأنه لم يكن يسيطر على الجيش..
وهذا نفس سيناريو المرحوم سيدي ولد الشيخ عبد الله..
ونفس سيناريو ابراهيم بو بكر كيتا في مالي..
برايي لا تكفي الانتخابات وحدها لجلب الاستقرار ..
بل لا بد من قائد موهوب..
فالله تبارك وتعالى إذا أراد لأمة خيرا رزقها أحد أبنائها البررة ويسَّر له السُبُلَ في ارساء السلام والاستقرارها والرقي فيها..
السيد بول كيغامي رئيس رواندا الحالي، هو ضابط قديم في جيش أوغندا حيث كان منفيا مع عائلته في هذا البلد، ينتمي لشريحة التوتسي التي تعرضت للمذابح..دخل بلاده بقوة عسكرية لوقف
الحرب الأهلية بين شريحته وشريحة الهوتو والتي حصدت مليون قتيل سنة 1994..
كسب هذا الرجل بأخلاقه ونبله ثقة الجميع، فأعاد الثقة بين أفراد الشعب الرواندي المتناحر وتم انتخابه رئيسا للدولة سنة 2000..
فحارب الكراهية والتطرف وسهر على فرض القانون..
واعلنها حربا لا هوادة فيها ضد الفساد..
وشمر عن ساعديه للعمل وخلفه اصطف الشعب الرواندي هوتو وتوتسي على قلب رجل واحد..
وخلال سنوات قليلة فقط، أصبحت رواندا من أقوى الدول الافريقية وأكثرها ازدهارا..
أعيد انتخاب كيغامي عام 2003 بنسبة 95% من الأصوات، وأعيد انتخابه عام 2010 بنسبة 93%، وانتخب عام 2017 بنسبة 98.8% ..
وكان دستور 2003 يمنح الرئيس فترة ولاية مدتها 7 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، وبعد استفتاء شعبي نظم في عام 2015، صوت الروانديون على تعديل دستوري يسمح بالترشح لأكثر من 3 ولايات.. ليظل هذا القائد الموهوب رئيسا..
لو كنت محل الشعب الرواندي لتمسكت بهذا الرجل ما دام قادرا على الحكم..
فالمهم استقرار البلاد وازدهارها..
أولا وأخيرا..
العقيد المتقاعد أحمد سالم ولد لكبيد