خريطة مجسمة بنظم للرصد والاستهداف تلتقطه
في كل صيف، لا يُشير أزيز البعوض المتواصل إلى الانزعاج والإزعاج فحسب، بل إلى التهديد الوشيك لأمراض خطيرة مثل مرض زيكا، وحمى الضنك. وتشهد الأساليب التقليدية للسيطرة على أسراب البعوض -البخاخات الكيميائية والفخاخ وطاردات الحشرات- تراجعاً متزايداً، لا سيما مع تسبب التغيرات المناخية في اتساع وتواتر تفشيها. ومع ذلك، قد يُغير ابتكار تكنولوجي جديد موازين القوى لصالح البشرية قريباً، واعداً بإبادة البعوض بشكل مُستهدف، لا هوادة فيه، وفعال.
«قبة بأشعة ليزرية»
في طليعة هذه الثورة، جهاز يُشبه «قبة حديدية» للبعوض، طوره المهندس الصيني جيم وونغ. ويُعيد هذا الاختراع، المسمى «مصفوفة الفوتون» جيسوس دياز، تصور مكافحة الآفات باعتبار أنه مشروع تكنولوجي متطور، حيث يستبدل أشعة الليزر وتقنيات الرؤية الحاسوبية المتقدمة بالبخاخات والفخاخ اللاصقة. ويقدم هذا الجهاز وسيلة آلية عالية الدقة لاستهداف البعوض والقضاء عليه، واحدة تلو الأخرى، موفراً مستوى من الكفاءة والموثوقية لا تضاهيه الطرق القديمة.
خريطة مجسمة للرصد والاستكشاف
يتميز جهاز فوتون ماتريكس بتطوره المذهل. بالاعتماد على التقنيات الأكثر شيوعاً في السيارات ذاتية القيادة وأنظمة الدفاع العسكرية، يستخدم الجهاز مزيجاً من تقنية الليدار (كشف الضوء وتحديد المدى) والرؤية الحاسوبية القوية لمسح بيئته ورسم خرائط لها في الوقت الفعلي.
وتجوب آلاف نبضات الليزر الهواء، وترتد عن الأجسام وتعيد فيضاً من البيانات التي يجمعها النظام في خريطة مفصلة ثلاثية الأبعاد. بمجرد دخول بعوضة -أو أي حشرة طائرة صغيرة- إلى هذا المجال المرسوم على الخريطة، يكتشفها النظام على الفور. وفي غضون 3 ملّي/ ثانية فقط يحدد النظام موقع الحشرة واتجاهها وحجمها الدقيق، بفضل قدراته الحاسوبية السريعة والدقيقة.
نظام استهداف
بمجرد تحديد البعوضة، يبدأ نظام الاستهداف في فوتون ماتريكس بالعمل. يتم نشر ليزر متخصص ثانٍ، يطلق نبضة سريعة ومركزة مصممة لتحييد الحشرة. تحدث هذه العملية بسرعة وسلاسة لدرجة أنه، كما هو موضح في مقاطع الفيديو المتداولة على «تيك توك» و«إنستغرام»، تبدو سحب البعوض وكأنها تختفي في ومضات من الضوء، ما أثار دهشة المشاهدين.
نظام آمن لسلامة الإنسان
إن أحد الجوانب المهمة لمصفوفة الفوتون هو انتقائيتها وسلامتها. في حين أن الليزر قاتل للبعوض والحشرات الصغيرة المستهدفة الأخرى، إلا أنه غير ضار بالبشر والحيوانات الأليفة والحيوانات الكبيرة. ويتحقق ذلك من خلال نظام أمان من مستويين.
* أولاً: تضمن الرؤية الحاسوبية للجهاز والليدار استهداف الأشياء ضمن نطاق حجم وسرعة معينين فقط. وقد تمت معايرة النموذج الأولي للتعامل مع الحشرات بسرعة لا تزيد عن متر واحد في الثانية وامتداد يتراوح بين 2 و 20 مليمتراً -وهي معلمات تشمل البعوض وذباب الرمل وذباب الفاكهة. تهرب الحشرات الأسرع، مثل ذباب المنزل حالياً من متناول الجهاز.
* ثانياً: تراقب طبقة من رادار الموجات المليمترية المنطقة باستمرار، مع تعطيل الليزر فوراً في حال دخول شخص أو قطة أو كلب أو أي كائن ضخم إلى منطقة الكشف. وهذا يمنع أي ضرر عرضي، ويضمن تشغيل الجهاز بأمان في المنازل والأماكن العامة.
لا يقتصر الابتكار الكامن وراء جهاز فوتون ماتريكس على أجهزته فحسب، بل يشمل أيضاً التكامل السلس بين الهندسة والذكاء الاصطناعي. يُظهر الجهاز كيف يُمكن للتطورات في مجال الروبوتات والاستشعار والحوسبة الآنية معالجة مشكلات قديمة بطرق مبتكرة. بالنسبة للمجتمعات التي تُشكل فيها الأمراض التي ينقلها البعوض تهديداً مستمراً -لا سيما أن المناخات الدافئة تسمح بانتشار هذه الأمراض- يُقدم فوتون ماتريكس أملاً بمستقبل أقل لدغات، وأمراضاً.
قفزة تقنية نوعية
على الرغم من العروض التوضيحية الرائعة، والانتشار الواسع على الإنترنت، لا يزال الاختراع في مرحلة النموذج الأولي. ولا تزال فعاليته في العالم الحقيقي عبر بيئات متنوعة، بالإضافة إلى عوامل مثل التكلفة والصيانة وقابلية التوسع بحاجة إلى تقييم كامل. مع ذلك، تُمثل مصفوفة الفوتون قفزة نوعية في مجال مكافحة الآفات، وقد تُمثل بداية حقبة جديدة لا يُضاهي فيها البعوض التكنولوجيا الدقيقة.
باختصار، قد تُحدث «القبة الحديدية» الليزرية للبعوض، التي صممها جيم وونغ، نقلة نوعية في مكافحة الأمراض المنقولة. فمن خلال الاستفادة من تقنية الليدار، والرؤية الحاسوبية، ونظام أمان قوي، تَعِد مصفوفة الفوتون بالقضاء على الحشرات الحاملة للأمراض بدقة وعناية غير مسبوقتين، مما يُبشر بمستقبل أكثر أماناً وراحة للجميع.