زواج السلطة والمال... عمال موريتانيا ضحايا علاقة رجال الأعمال بالحزب الحاكم

 

- أصيب الأربعيني الموريتاني محمود جبريل، في مارس/ آذار 2023 بكسر في ساقه اليسرى أثناء عمله في مشروع المحور الطرقي "ألاك - مكطع لحجار" بولاية لبراكنة، جنوبي البلاد، جراء غياب وسائل الأمن والسلامة، ومنها معدات الوقاية الشخصية مثل القفازات والخوذات والأحذية الواقية التي لم توفرها الشركة الموريتانية للأشغال والبناء MTC المنفذة للمشروع والمملوكة لمجموعة أهل غده التجارية، وهي واحدة من كبريات المؤسسات الموريتانية التي شاركت في مهرجان دعم ترشح الرئيس محمد ولد الغزواني أثناء حملته الانتخابية، بحسب ما يظهر في مقطع مصور بتاريخ 27 إبريل/ نيسان 2024.

ولا تقتصر معاناة العمال على الشركة السابقة، كما يقول الكوري ولد عبد المولى، الأمين العام لاتحاد عمال موريتانيا UTM (نقابة عمالية تأسست في عام 1993)، قائلا لـ"العربي الجديد"، إن الاتحاد يتلقى يوميا ما بين شكويين وثلاث شكاوى ضد شركات أشغال وبناء يصاب عمالها لعدم توفير وسائل الحماية والوقاية.

وإلى جانب الشركة المذكورة سابقا توجد شركة BIS TP المملوكة لرئيس الاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين (الناطق باسم القطاع الخاص والمحاور للسلطات العمومية والشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين في مجال اختصاصه)، محمد زين العابدين ولد الشيخ أحمد، عضو المجلس الوطني (الهيئة التشريعية لحزب "الإنصاف" الحاكم في موريتانيا)، وما يفاقم من تبعات الظاهرة وآثارها تشغيل العمالة دون عقود عمل في مقابل أجر يومي، ما يحرمهم من إمكانية نيل التعويضات وفق ما يرصده ولد عبد المولى.

زواج السلطة والمال

توجد في موريتانيا ثماني شركات مختصة بالأشغال والبناء، يملكها رجال أعمال موريتانيون منخرطون في الاتحاد الوطني لأرباب العمل، والذي يتشكل من أربع عشرة اتحادية مهنية تشمل جميع القطاعات الاقتصادية، وهي مؤسسة منوط بها السهر على مصالحهم والدفاع عنها، بحسب إفادة نائب رئيس الاتحاد سيدي محمد كاعم.

ويضم الاتحاد جميع رجال الأعمال، ويعد بمثابة الذراع الاقتصادية للحكومة، كما يعتبر هيئة استشارية في مجاله ويتمتع بعضوية المجلس الأعلى للاستثمار الذي يترأسه رئيس الجمهورية، ومن مهامه أن يقر السياسات العامة للاستثمار الوطني والأجنبي، كما يقول كاعم لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى العلاقة الوثيقة بالرئاسة، إذ "أشرف الاتحاد على الحشد الكبير لختام حملة الرئيس محمد ولد الغزواني لعهدة ثانية".

 

العلاقة الوثيقة بين مجتمع المال والرئاسة يوثقها التحقيق عبر مقاطع مصورة تجمع رجال الأعمال الداعمين للرئيس محمد ولد الغزواني خلال حملة ترشحه لفترة رئاسية ثانية خلال العام الماضي، وعلى رأسهم أصحاب شركات الأشغال والبناء، من بينهم محمد زين العابدين ولد الشيخ أحمد، مالك شركة BIS TP، فضلا عن مشاركة شركة التوفيق للأشغال العامة في دعم مهرجان حملة محمد ولد الغزواني في مقاطعة توجنين في يونيو/حزيران 2024، والشركة الموريتانية للأشغال والبناء MTC، التي سيطرت على المشهد في تظاهرة رجال الأعمال الداعمة لترشح رئيس الجمهورية قبل فوزه بالمأمورية الثانية.

 

ولهذا السبب، "تفضل حكومة المختار ولد اجاي حماية حقوق رجال الأعمال، الذين ينتهكون حقوق العمال مستغلين قربهم من الحزب الحاكم في البلاد"، كما يقول ولد عبد المولى، والأمين العام للكونفدرالية الحرة لعمال موريتانيا CLTM (نقابية تعنى بالدفاع عن الحقوق العمالية)، الساموري ولد بي، الذي يتلقى ما بين ثلاث وسبع شكاوى يوميا من انتهاكات تقع بحق تلك الفئة الضعيفة مجتمعيا، كما يصفها في إفادته لـ"العربي الجديد"، فالدولة تحمي مصالح المشغلين متجاهلة الأجراء الذين ليسوا على صلة بالحزب الحاكم، كتلك الحماية التي حازها كبار رجال الأعمال الذين وقفوا بكل ثقلهم وراء الرئيس في الانتخابات التي جرت في منتصف عام 2024.

إلا أن كاعم يرد على ما سبق بالقول: "جميع أرباب العمل الموريتانيين لهم الحق في اتخاذ المواقف التي يرونها، والانتماءات السياسية بصفتهم الشخصية ليست عيبا، ومنهم أعضاء في المجلس الوطني لحزب الإنصاف وفاعلون فيه. هذا خيار سياسي شخصي".

متفقا مع ما سبق ومقرا بتلك العلاقة، يقول وزير الثقافة والفنون والاتصال والعلاقات مع البرلمان والناطق باسم الحكومة الموريتانية الحسين ولد مدو لـ"العربي الجديد": "ارتباط ملاك الشركات من أرباب العمل بالحزب الحاكم، هو خيار ذاتي يعود لقناعات شخصية، لكن لا علاقة له بمناخ الأعمال في البلاد".

حقوق ضائعة

على عكس ما ذهب إليه الوزير ولد مدو، تبدو آثار تلك العلاقة في عدم اكتراث الشركات للقانون، وتحديدا للفقرتين الأولى والثالثة من المادة 238 الواردتين بالقانون رقم 17 لسنة 2004 المتضمن مدونة الشغل، واللتين تنصان على "تنظيم الظروف العامة للصحة والسلامة القابلة للتطبيق في أماكن العمل، وتنظيم كافة الأعمال التي تشكل أخطاراً خاصة وتدابير الصحة والسلامة المطبقة في أماكن العمل وتدابير الرقابة والإشراف الطبي المفروض على المؤسسات لصالح العمال الذين يتعرضون لأخطار"، بحسب تأكيد ولد عبد المولى، وولد بي، الذي يحمل الحكومة والاتحاد الوطني لأرباب العمل مسؤولية ما يحدث للعمال من استغلال الشركات لهم، وما يترتب على ذلك من ضياع لحقوقهم، باعتبارهم شركاء في مناخ المال والأعمال ومصالحهم مشتركة.

ولا ينفي رد ولد الشيخ أحمد على سؤال بشأن أسباب شكاوى عمال شركات تنفيذ الطرقات المتزايدة ومن يتحمل مسؤوليتها ما سبق قائلا: "فعلا. من المهم الحرص على أوضاع عمال الشركات وظروفهم الصحية"، ويضيف في رده على سؤال معد التحقيق في المؤتمر الصحافي الذي نظمه في 22 مارس الماضي بمقر اتحاد أرباب العمل: "شخصيا أطالب دائما الشركات التي تنفذ الطرقات بضرورة حماية مصالح العمال، وهناك ترتيبات نعمل عليها ستضع حدا لهذه المشكلة"، بينما يقول كاعم إن الشركات تعمل على تحسين الظروف للعمال تماشيا مع النظم القانونية المعمول بها في البلاد، وتوفر لكل عامل حقه بالضمان الاجتماعي والعلاج عند التعرض لأي حادث عمل.

لكن ثلاثة من العمال أكدوا لـ"العربي الجديد"، عدم حصولهم على أي تعويضات عن الأضرار الصحية التي لحقت بهم، ومنهم الخمسيني الناجي ولد الحسن، الذي أصيب في ذراعه اليسرى بسبب آلية حديدية حادة صدمته أثناء عمله في المحور الطرقي من بلدة أعوينات أزبل إلى مدينة تمبدغه في ولاية الحوض الشرقي، جنوب شرقي البلاد، والذي تنفذه شركة BIS TP المملوكة لولد الشيخ أحمد، دون أن يحصل على أي تعويضات، فاضطر للعلاج على نفقته الخاصة في مستشفى الصداقة الحكومي بكلفة 330 ألف أوقية (924 دولارا أميركيا)، كما يقول لـ"العربي الجديد")

ومثله جبريل، الذي لجأ إلى أقاربه لمساعدته في العلاج بمركز الاستطباب الوطني الحكومي في مدينة نواكشوط، حيث خضع لإجراء عملية جراحية على نفقته الخاصة، دون اكتراث الشركة لما حدث له أو تقديم التعويض اللازم، وقال لـ"العربي الجديد": "بلغت كلفة العلاج خلال ثمانية أشهر من متابعة المستشفى مليوناً و700 ألف أوقية موريتانية قديمة (1960 دولارا)". وهذه الحالات وغيرها تصل أخبارها إلى ولد بي أثناء عمله في الكونفدرالية الحرة لعمال موريتانيا CLTM، اذي يقول: "هذا استغلال مفرط لجهل العمال بالحق في وسائل السلامة والتأمين الصحي أثناء مزاولة الأعمال".

إلا أن "أكبر مشكلة يواجهها العمال هي غياب التدريب الكافي على الاستخدام الآمن للمعدات والآليات الثقيلة، وغياب التوعية بمخاطر العمل وكيفية التعامل معها"، يقول ولد الحسن، الذي عمل مع أكثر من شركة أشغال دون إبرام عقود عمل تحفظ له حقوقه. "فعلاقتنا مبنية على المعرفة ونعمل معهم من خلال واسطة عبر عمال تربطهم قرابة مع العاملين في الشركات، لذلك لم أقدم شكوى ولم أطالب بتعويض لأنني لن أحصل على حقوقي"، يضيف ولد الحسن، متابعا: "نحتاج إلى وسائل الحماية الشخصية من السقوط والإصابة بفعل حمل المواد الثقيلة أو استخدام الآلات الحادة".

حلول ودية في غياب عقود العمل

تنظم الاتفاقية الجماعية للشغل، الصادرة عن وزارة الوظيفة العمومية والعمل في الأول من فبراير/ شباط 1974، العلاقة بين أرباب العمل والعمال، موجبة إبرام عقود لهم، بحسب إفادة المحامي محمد أنس، المحاضر في المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء الحكومية في نواكشوط، والذي يقول إن عدم وجود العقود يصعب إمكانية اللجوء إلى القضاء، فيبقى الحل الودي هو الفاعل في هذه الحالة، وفق ولد عبد المولى، الذي يقول: "نقدم المؤازرة للعمال عبر الاتصال بالاتحاد الوطني لأرباب العمل ونتفاوض معهم بشكل ودي من أجل حل يرضي العامل".

ويرد الناطق باسم الحكومة الموريتانية الحسين ولد مدو قائلا: "الحكومة حريصة على سلامة العمال وحقوقهم، ويمكنهم عرض المظالم الفردية والجماعية عبر الجهات المختصة من أجل معالجة مشاكلهم، والأبواب مفتوحة دائما من أجل معالجة مشاكل وتظلمات العمال".

لكن الواقع على الأرض يتنافى مع ما سبق، إذ يخضع العمال لإملاءات الشركات، بسبب جهلهم بحقوقهم، وأبسطها ألا تفتقد أماكن العمل للإسعافات الأولية، حسب جبريل، الذي تقدم بشكوى إلى الاتحاد العام للعمال الموريتانيين، كما يقول، مضيفا أن "الاتحاد خاطب شركة MTC، لتعويضي عن الإصابة التي لحقت بي أثناء العمل، لكنه لم يصل إلى نتيجة معها لعدم وجود عقد بين الطرفين".

                                                                                                المصدر: العربي الجديد